Total Pageviews

Monday 21 March 2011

الجزائر‭ ‬وموقعها‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬التغيير

الجزائر‭ ‬وموقعها‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬التغيير
2011.03.18
بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬قسوم‮
‭ ‬ ‬لا‭ ‬يحسبنّ‭ ‬الجزائريون
،‭ ‬وأعني‭ ‬منهم‭ ‬المسؤولين‭ ‬بصفة‭ ‬أخص،‭ ‬
لا‭ ‬يحسبن‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬هبوب‭ ‬رياح‭ ‬العواصف‭ ‬التي‭ ‬تهز‭ ‬أرجاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ - ‬تحديدا‮ ‬‭- ‬مشرقا‭ ‬ومغربا‭.‬

فقوة هذه العواصف، التي زلزلت ولاتزال تزلزل أركان وقواعد قصور ظلت لعشرات السنين، تحسب أنها بمنأى عن كل أنواع الزلازل، هي زلازل فريدة من نوعها. فقد تحصّنت الأنظمة المذكورة بكل أنواع الأبنية المضادة للزلازل الطبيعية، وأحاطت نفسها بكل المضادات البوليسية، الحامية لها من الخطر الإسلامي الأخضر، والخطر الإرهابي الأحمر، فأعدت لذلك العدة، واستخدمت ضد ذلك كل أنواع القمع والشدة، كما حسبت كل الحسابات، لهذه الزلازل بمختلف أنواعها وألوانها، إلا حسابا واحدا هو حساب الجماهيرية، وطوفان الإرادة الشعبية، وإن إرادة الشعب من‭ ‬إرادة‭ ‬الله،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬أدرك‭ ‬أحدهم‭ ‬الغرق،‭ ‬قال‭: ‬الآن‭ ‬أدركت‭ ‬‮"‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يعلم‮"‬،‭ ‬وأنني‭ ‬سأغيّر‭ ‬الدستور،‭ ‬واكشف‭ ‬المستور،‭ ‬وأسعد‭ ‬الجمهور،‭ ‬ولات‭. ‬حين‭ ‬مناص‭.‬
أدركت حكومتنا الموقرة في الجزائر بحسّها الخاص، بعض هذا، فبادرت إلى رفع قيمة أجور العمال والموظفين، بل وحتى البطالين، وخفضت قيمة أسعار مواد المستهلكين، وتحقيق مطالب المنتفضين، ظنّا منها أنه بالمال يمكن كسب عطف الشديد، ولين الحديد، وليّ إرادة العنيد. وإن هذا لهو الخطأ الأكبر، فإن من عدم المراسة، وقلة الكياسة، وضعف السياسة، التعامل مع المواطن على أنه حيوان اقتصادي، في حين أن حكومتنا الموقرة، هي أول من يعلم، بأن المواطن في الجزائر، مهما دنت طبقته، لا يعدم الخبز، بل إن الإلقاء بالخبز - في بعض الأحيان في المزابل‮ ‬‭- ‬لدليل‭ ‬على‭ ‬وفرته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭.‬
كما أن ما تجهله حكومتنا الموقرة أيضا، هو أن تحت الضلوع داء دويا، وأن هذا الداء الذي استبد بالمفاصل والعقول، مصدره مجموعة من الأسباب، ليس من الصعب الكشف عنها، وإن أهمها من وجهة نظرنا ما يلي:

1 - فشل المنظومة التربوية، والثقافية، والاجتماعية، والرياضية، والعائلية، التي أنجبت لنا جيلا مذبذبا، نشأ بين أحضان العنف، شبّ بين براثين الشدة والضعف، سلاحه الوحيد الخنجر، والسيف، وما ذلك إلا لأن منظومتنا تعلّم ولا تربّي، وتعِد ولا تلبّي. وقد تجلى هذا في مختلف المظاهر الاجتماعية، مثل التمرد على قواعد السياقة، والعدوانية ضد الملعب واللاعب، والاعتداء في المسيرات السلمية على الراجل والراكب، وكل ذلك تعبيرا عن طاقة حبيسة، وعن نفسية مأزومة بئيسة، وعن تربية هزيلة خسيسة.
2 - ضعف المنسوب الثقافي لدى الطفل المواطن، الذي فشلنا في تزويده بثقافة أصيلة، فهو مضطرب اللسان، مهزوز الجنان، مفكك البنية والبيان، ويستوي في ذلك، الرياضي، والمهني، والفنان. أليس حريا بنا أن نسأل أنفسنا: أي مواطن نريد؟ وأي إنسان نكون؟
إن الذي لا يملك الوضوح في عقله وعينيه، لا يمكن إلا أن تظلم الدنيا في قلبه وفي ناظريه، وذلك هو بؤس الجيل الجديد الذي ينشد التغيير لأنه يئس مما هو فيه، فيحاول أن يقلد الجيران حواليه.

-3‭ ‬انعدام‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬والحضاري‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭.‬
إن كل ما يحيط بالمواطن عندنا، يصب في خانة اهتزاز شخصيته، فالازدواجية التي يعاني منها، ممثلة في اللغة التي يتعلم بها، وهي لغة الأم، والوطن، في حين أن اللغة التي يخاطب بها في محيطه، وإدارته، وإعلامه، تجعله عديم الانتماء الوطني، والحضاري، وهو ما يزهده في حبه‭ ‬لوطنه،‭ ‬وثقافته،‭ ‬ولغته،‭ ‬وكل‭ ‬معالم‭ ‬انتمائه‭.‬
وببراءة الأطفال، وسذاجة المغفلين، نريد أن نسأل حكومتنا الموقرة عن شعورها، وهي ترى الوطن الذي ذاد عنه المجاهدون، وحرره الاستشهاديون، يشوّه محيطه، ومخيطه، فترتسم على واجهات المحلات والمؤسسات فيه، عناوين بحروف أجنبية، لا مكان فيها للغة الوطن، ولا خط فيها،‭ ‬لمعاني‭ ‬الروح‭ ‬والبدن‭.‬
فماذا‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬المجاهدين،‭ ‬وأبناء‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬ذاكرة‭ ‬الوطن؟
وماذا‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬شاب‭ ‬نشأ‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬اللغوية،‭ ‬والضبابية‭ ‬الثقافية،‭ ‬والعتمة‭ ‬الوطنية،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موقفه‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬عندنا‭ ‬وعند‭ ‬الآخرين؟
لقد تعلّمنا مما حدث في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وفي اليمن، وفي غيرها من البلاد العربية، شعارات كتبت بلسان عربي مبين، تعكس وحدة الشعب في عمقه الوطني، فلماذا تقدم غيرنا وتأخرنا؟ ولماذا تطور أشقاؤنا - في هذا المجال - وتقهقرنا، وقد كنا نحتل الريادة، ونملك‭ ‬مقاليد‭ ‬القيادة؟‭ ‬
4‭- ‬انعدام‭ ‬الأمانة،‭ ‬وتفشي‭ ‬الخيانة
‭ ‬إن‭ ‬شعبنا،‭ ‬وجيلنا‭ ‬الجديد‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتفي‭ ‬بالقليل‭ ‬من‭ ‬العيش،‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكرامة،‭ ‬رائده‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭:‬
خبز‭ ‬الشعير‭ ‬وماء‭ ‬البئر‭ ‬يكفيني
‭ ‬‮ ‬‭ ‬مع‭ ‬السلامة،‭ ‬في‭ ‬عرضي‭ ‬وفي‭ ‬ديني
ولكن‭ ‬شعبنا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يفهم‭ ‬شيئاً،‭ ‬حينما‭ ‬يراد‭ ‬منه‭ ‬التقشف،‭ ‬ويطالب‭ ‬بالتعفف،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تغدق‭ ‬الملايير‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬بسبب‭ ‬اللصوصية‭ ‬وسوء‭ ‬التصرف،‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬بدون‭ ‬تأفّف‭.‬
هذه، إذن - يا قومنا - الأسباب الكامنة خلف وميض النار، التي توشك أن يكون لها ضرام، إذا لم يطفئها عقلاء قوم... أما محاولة إلهاء الناس بالخبز والزيت، وبالسكر والحليب من شؤون البيت، بدل النفاذ إلى أعماق القضايا، التي من أهمها - إضافة إلى ما ذكر - إثبات وجود‭ ‬الجزائري،‭ ‬سياسيا،‮ ‬وثقافيا،‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬وحضاريا،‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المحاولة،‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬ذر‭ ‬للرماد‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬وهي‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بالكتابة‭ ‬على‭ ‬الماء،‭ ‬والضحك‭ ‬على‭ ‬الذقون‭.‬
لقد بان الصبح لكل ذي عينين، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولكن الأيام صحائف، فلنخلد فيها جميل الذكر، وإلا فالتغيير حتمي، وساعتها، يكون الندم، ولا ينفع أي ندم، فثورة التغيير إن هبّت عواصفها، فلن يوقف زحفها إلا حصن العدل، وأين نحن من العدل؟

No comments: