Total Pageviews

Monday 2 July 2007

ليس لكم من رئيس غيري - بقلم محمد بوازدية


ليس لكم من رئيس غيري
المقال - الخبر الأسبوعي
بقلم محمد بوازدية
يبدو أن الأمور السياسية في الجزائر عادت إلى رتابتها وعقمها الذي ميزها منذ سنوات عديدة، بعد أن سبحت بنا الأماني والتخمينات، وبعد أن راودنا التفاؤل، للحظة من الزمن، إثر الانتخابات التشريعية·
اعتقدنا أن كارثة المشاركة، يوم 17 ماي، ستضطر الطبقة الحاكمة، ومنها على الخصوص رئيس الجمهورية، لمراجعة نفسه، ومراجعة ما يحيط به، ومحاولة البحث عن مخرج للمأزق·
وكدنا نصدق أحد احتمالين:
الأول أن يعمد عبد العزيز بوتفليقة إلى تعيين شخصية وطنية معروفة بكفاءتها، لا يهم انتماؤها السياسي ولا الجهة التي قدمت منها· هدفها الوحيد العمل على بعث الحياة في المياه الراكدة· وقد ذهب بنا التفاؤل إلى الإصغاء إلى الإشاعة·
والاحتمال الثاني أن يقرر الرئيس حل البرلمان، والإعلان عن انتخابات تشريعية مسبقة جدا، على أن يكلف رجالا آخرين بتنظيمها· رجال لا يشبهون وزير الداخلية ولا رئيس الحكومة· رجال همهم الوحيد أن يشارك جميع الجزائريين في بناء مجلس وطني تمثيلي ترتكز عليه حكومة قوية ونزيهة··· ولكن شيئا من ذلك لم يحدث· التأم المجلس الجديد على الطريقة القديمة، وجاء رئيس الحكومة القديم يكرر الجمل القديمة والأرقام القديمة والوعود التي ظل يقطعها على نفسه وعلى برنامج الرئيس·
وهكذا لم تبق جميع الأشياء على حالها وحسب، بل عاود الإصرار نفس الأشخاص على نفس الأفكار· كان تعديل الدستور فكرة من الأفكار وأمنية من أمنيات الرئيس وهدفا من أهداف فريقه، للأسباب التي نعرفها والتي لا يفصحون عنها إلا في سياقات غامضة ولا يدللون عليها إلا ببراهين واهية·
كان الرئيس يقول إن النظام السياسي في الجزائر مبهم غير واضح يختلط فيه البرلماني بالرئاسي، ويجد فيه الرئيس نفسه، وهو المنتخب بالاقتراع العام، حبيس دستور يعطيه من الحقوق مقدار ما يعطي رئيس الحكومة أمام البرلمان· فهو الذي يعين رئيس الحكومة، ولكن هذا الأخير هو من يقدم البرنامج أمام البرلمان، وهو الذي ينفذه· وإذا أراد الرئيس من رئيس الحكومة أن يكون مجرد منفذ (منسق) لبرنامجه، اصطدم بعقبة أخرى تلتمس من الدستور حقا في محاسبته·
المجلس الشعبي الوطني، المنتخب بالاقتراع العام، من ناحية، ومجلس الأمة المعين في ثلثه من رئيس الجمهورية نفسه·· وهكذا·· وعلى الرغم من أن انتقادات من هذا النوع تتردد في أكثر الدول التي تشبه دساتيرها دستورنا، إلا أن السحب تختلف كثافة، بل وتكاد تنقشع في الأنظمة التي تمارس نظاما رئاسيا ممزوجا بمجموعة تقاليد ديمقراطية· والنظام الفرنسي، الذي استنسخناه خير مثال·
فالرئيس عندهم غير ملزم دستوريا بتعيين زعيم الأغلبية البرلمانية الحاكمة رئيسا للحكومة، ولكن التقاليد الديمقراطية تلزمه· والتقاليد الديمقراطية تخيره بين الصبر على التعايش أو الاستقالة··الخ· وبهذه الطريقة تمكنت فرنسا من السير وفق هذا النظام المتناقض بفضل الديمقراطية وتطبيق شيء من الأخلاق السياسية· أما عندنا فالأمر يختلف، بحيث لا يرى الرئيس إلا مقدار ما يعطيه الدستور من صلاحيات، ولا يرى فيها إلا شيئا مطلقا لا يتقاطع معه فيها شيء إلا ألغاه·
فصلاحياته، هو الذي اختاره الشعب، تلغي جميع الصلاحيات الأخرى·· وهكذا تحدث الأزمة· تحدث الأزمة لأن الرئيس يبحث عن دستور يضعه فوق كل حساب وكل نقاش وكل انتقاد· والملاحظات التي قدمناها من تحصيل الحاصل، لأن الرئيس يتصرف في الواقع كما يحلو له، وسكان البرلمان يسلمون له بذلك دون عناد·
فما المشكلة إذن؟ المشكلة أن الدستور لا يعطي لرئيس الجمهورية الحق في الترشح لأكثر من عهدتين رئاسيتين· ولا السبيل إلى عهدة ثالثة ورابعة وخامسة إلا من طريق تعديل الدستور، بحجة تكييف النظام السياسي مع تطور العصر أو مع مقتضيات الديمقراطية الحقة وهكذا، أو من أجل استحداث منصب رئيس أو لتحديد دقيق لمهام رئيس الحكومة، أو تمكينا لعمل تشريعي أكثر فعالية، أو لمحو التناقض بين صلاحيات الرئيس وغيره·· وهكذا·
وأكثر من ذلك فقد بدأ الكلام عن هذه المسألة يقترب من التصريح أكثر فأكثر بداية من الرئيس نفسه، كما فعل في سطيف وهو ينادي في الناس: ليس لكم من رئيس أصلح مني· وهو نفس الكلام الذي لا يزال يتردد منذ 1999 إلى اليوم· والمهم أن الكلام عن هذه المسألة عاد إلى الواجهة بإصرار أمام خلو الساحة الجزائرية من معارضة لا تنظر إلى العمل السياسي إلا من خلال النظام·
ولا فرق في ذلك بين معارضة بين قوسين تتصيد أماكن الصيد الوفير، وبين معارضة نزيهة· أما الأولى فلا تستحق الذكر، فهي جزء من النظام، وأما الأخرى فقد أصيبت بعدوى مؤداها اعتقادها أن الحل لا يأتي إلا من النظام نفسه· وعندما نلاحظ العالم من حولنا نرى معنى آخر للمعارضة· نراها تعني البديل الراديكالي للوضع القائم، ونراها تتحرج من المشاركة فيه أيما تحرج· والمعارضة نضال سياسي له تكاليفه الجسيمة، من سجن وتضييق وتهميش وحرمان، وأذى في النفس والمال والأهل·· الخ· وذلك دأب جميع الحركات اليسارية ضد طغيان رأس المال، وهو أيضا تاريخ الديمقراطية ضد الديكتاتورية، وهو تاريخ حقوق الإنسان ضد التعسف والباطل·· فكيف بمعارضة تكتفي بالبيانات والرسائل من هناك بعيدا وراء البحر، أو بمعارضة تقول لك: ليس في الإمكان أكثر مما كان، والأمل الوحيد أن يعود النظام إلى رشده، أو تتكفل السماء بإنزال الرحمة في نفوس القائمين على الوضع·
وفي اللحظة التي يطامن فيها الحاكمون شيئا من كبريائهم ويكتشفون فضائل الديمقراطية سيكونون مستعدين لخدمة البلاد· أما قبل ذلك فليس لنا إلا الانتظار والترقب· إن معارضة كهذه لا يرتجى منها الخير، وهي في أحسن الأحوال كالتيار السالب لا ينفع في شيء· والجهة التي يمكن أن تؤدي عنها مهمة المعارضة الحقيقية هي النخب المثقفة، ولكنها في الجزائر قانعة قابعة خائفة يقتلها الشوق إلى موسم حج خلف أذيال الأمير ليس إلا·
أرسلت بواسطة elkhabarh في الأحد 01 يوليو 2007

No comments: