Total Pageviews

Wednesday 13 June 2007

الشيخ محفوظ نحناح.. النجم الذي هوى...

الشيخ محفوظ نحناح.. النجم الذي هوى
بقلم د.: عبدالرزاق قسوم
كم هو رهيب، وقعه على النفس، أفول الكواكب، وسقوطها من علياء سمائها!
وما أروع منظر تهاوي نجم مضيء وهو يندثر، ليذوب وسط الجماهير التي أحبته فاحتضنته مضيئاً وحملته محترقاً!
ويا لوعة القلوب حين تصيبها المقادير بفاجعة فقدان من تحب، فيكاد يلفها ظلام اليأس، لولا أن حادي العقل ينقذها، ونور الإيمان يبدد ظلامها

ذلك هو واقع الجماهير الشعبية، التي اندفعت في يوم الجمعة الحزين نحو مقبرة العالية، وهو المكان الذي تأتيه «العيون بدموعها، وتمشي إليه النفوس بأحزانها» حاملة نعش محفوظ نحناح، فمالت بثقل شعاعه، وانحنت باكية على معالم جثمانه.. لقد رأت الجماهير المشيعة للشيخ محفوظ نحناح، في موته، موتاً لأجزاء فيها، موت اللسان المدافع عن العربية ضد رطانة الغرباء من المستغربين المتنفذين، وموت الذائد عن الإحياء الإسلامي ضد دعاة اللائكية والعلمانية من استئصالي الثوابت والقيم، من جزائرنا الحبيبة.
فمن للجماهير بمن سيوهب براعة الإبداع في صياغة المعاني، وقولبة الدلالات، واشتقاق التفاعيل والمصادر «ليسهر الخلق جراها ويختصم»؟
ومن للجماهير بداهية ذكي، وظريف لبق، قوي الملكة في فن الدعابة، وسرعة البديهة، وتوليد المعاني في نحته للكلمات كأنما هو قد تتلمذ على سقراط.
وحسب محفوظ نحناح من العظمة، أنه يقدم العلقم في غذاء شهي، إذا اقتنع أن ذلك العلقم هو أنجع أنواع البلسم فهو يعارضك معارضة كاملة، ولكن في ابتسامة عذبة وفي أدب اختلاف رفيع المستوى.
إنه رجل ينحت من معين الإسلام العذب، ومن منهجية الإصلاح التي لا تفسد للود قضية، ومن نهر الوطنية الذي يتسع لتطهير جميع
«المتطهرين».
عرفت الشيخ محفوظ نحناح في منتصف الستينات، وعلى التحديد في صيف 67 أيام الهزيمة، وكان لقائي به على جبال البليدة، في منتزه الشريعة حيث كان ـ رحمه الله ـ يؤمنا في المسجد، وكان المجمع ممن أذكر يضم إلى جانب الفقيد، المرحوم الشيخ محمد أبو
سليماني، والمرحوم الشيخ علي شنتير والفاضل الشيخ عباسي مدني يحفظه الله
.
وكان المجلس بعد الخروج من المسجد يتحول إلى مجلس دعابة وأدب وفقه، يأخذ من كل شيء أشياء، ثم توطدت العلاقة بيننا في الجامعة، فكان يؤمنا في مسجد الجامعة، فأعجبت بورعه وتقواه، حتى أنني كنت أحس بطمأنينة خاصة حينما أصلي خلفه، ويذكر بعض أصدقائي من أمثال الدكتور أحمد بن نعمان، والأستاذ محمد الهادي الحسني، يذكرون شهادتي وهي أني أشعر بطمأنينة خاصة حينما أصلي خلف ثلاثة من العلماء هم: الشيخ أحمد سحنون، والشيخ عبدالحميد بن شيكو، يحفظهما الله، والشيخ محفوظ نحناح يرحمه الله.
غير أن إمامة الشيخ محفوظ نحناح لي في المسجد وإعجابي بتقواه وورعه، لم تجعلني مع ذلك أتتلمذ عليه سياسياً، لا لاختلاف في المبادىء والأصول، فأنا مع المشروع الإسلامي الذي يطمح إلى تحقيقه كل مسلم غيور على دينه وعلى وطنه، ولـكن ربما كان الاختلاف بيننا في المنهج والطريقة وهو ما لم يفسد للود قضية، فقد ظلت صداقتنا الحميمة إلى آخر أيام حياته
.
فيا أخي محفوظ: اليوم وقد ضمك القبر، هذا الشبر العالي من الأرض، الذي ينتصب أمامنا علامة بارزة تذكرنا بجلائل أعمالك، وفضائل جهادك وتشرح لنا معنى الحياة مهيبة بنا إلى الاعتبار بقوافل السائرين من قبلك ومن بعدك. نقول لك، نم هانئاً، ولا تخش ضيعة ما تركت.. فالوارثون لما تركت كثير
.
وإلى أن يجمعنا الله بك في عالم الخلود ندعو الله لك بالخلود في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
إن العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، وإنا لفراقك يا محفوظ لمحزونون

No comments: