Total Pageviews

Thursday 28 June 2007

نُكبت الرياضة يوم نُكبت السياسة


الشرق /كُتاب الشرق /عبدالباقي صلاي
نُكبت الرياضة يوم نُكبت السياسة
تاريخ النشر:يوم الأربعاء ,27 يُونْيُو 2007 2:36 أ.م.

الحديث عن الرياضة وعن إخفاقاتها في الجزائر لا يختلف في جوهره
عن الحديث عن السياسة وما قدمته من فشل في حلحلة المشاكل المتفاقمة التي يسبح الجزائريون في مستنقعها منذ أكثر من خمس عشرة سنة، فالرياضة في الجزائر باتت بعد أن تمرغت السياسة في وحل الموبقات، وانساقت خارج هم المواطن، ترزح هي الأخرى تحت وطء الارتجاجات، والانكسارات المتتالية. لأنه من اللامنطق أن يكون الفرع مثمرا والجذر ينخره السوس، ومن الغباء والجهل أن ننجح في المسلك الرياضي والمسلك السياسي تشوبه الأغلاط، ويتحكم فيه الاعوجاج، فكما قيل لا يمكن البتة أن يكون الظل مستقيما والعود أعوج.

وما أكثر المسؤولين والسياسيين الذين يريدون القفز- بعلم أو بغير علم- على المعطيات الأولية التي من خلالها يحدث التقدم المطلوب، وتتحقق القفزة الحضارية المتوخاة، وليست فقط الرياضة هي التي تتضرر من اعوجاج المسلك السياسي، والمعطيات الأولية الخاطئة، ولكن كل الحياة التي لا أحد يماري في أنها كل متكامل، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجزئتها إلى أنصاف وأرباع أو حتى أثمان. فالاقتصاد الذي يقولون عنه أنه عصب الحياة في أي مجتمع لا يمكن له أن يقوم بالدور المطلوب منه في انتعاش الحياة دونما المعطى السياسي القويم، وكذلك الثقافة وكذلك التربية والتعليم وكذلك العلاقات الإنسانية، وكذلك الدين، وكذلك الرياضة هذه الأخيرة التي دائما ما ينظر إليها المسؤولون عندنا أنها مجرد ترف، الاهتمام بها لا يعدو أن يكون اهتماما محصورا في جملة معينة من الألعاب تمارس نجح فيها الممارسون أم لم ينجحوا، هذا إذا سلمنا أن صنف المسؤولين الذين يتولون أمورها يعتبرونها إحدى أهم الوسائل القادرة على توجيه البوصلة خارج المحيط السياسي الموبوء، وصرف الكثرة الكاثرة عن أهم قضايا الشعب الذي لا يزال يتألم من كل شيء في الجزائر وليست الرياضة فقط، على الرغم من أن الرياضة لدى المجتمعات المتطورة أضحت في الآونة الأخيرة استثمارا في حد ذاته، وصناعة تقوم على أسس علمية.

وهناك أندية أوروبية لها من الميزانية ربما تزيد أضعافا مضاعفة عن كثير من ميزانيات دول عربية مجتمعة. الرياضة في الجزائر لاسيما كرة القدم - التي يطلق عليها اسم المستديرة الساحرة- لم يعد أحد مقتنع بها، خاصة لدى العارفين بخبايا هذه الرياضة الواسعة الانتشار التي كما أكدنا من قبل أنها أضحت في العشرين سنة الماضية فقط ركنا ركينا في اقتصاد الأمم، وبات لاعب كرة القدم بما يحققه من عائدات من الصنف المرموق الذي يشار إليه بالبنان من عدة مستويات.كما بات الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا الذي يرأسه السويسري جوزيف سيب بلاتر أحد أكبر أباطرة المال في العالم، وأينما حل وارتحل إلا واستقبل استقبال الرؤساء والملوك.

يحزننا حقا أن نشاهد رياضة الجزائر تنهار أمام أعيننا، كما يحزننا أن نرى كرة القدم الجزائرية تنهار في الملاعب أمام منتخبات أفريقية جد متواضعة، دون أن يحرك المسؤولون على هذا القطاع ساكنا، أو حتى يعلنوا فقط أنهم قلقون على مستقبل هذه اللعبة التي شرفت الجزائر والجزائريين في وقت من الأوقات.

ومن يذكر المباراة التاريخية في كأس العالم عام 1982 التي فاز فيها منتخبنا الوطني على منتخب ألمانيا بهدفين لهدف، إلا ويشعر بغصة على ما آل إليه منتخبنا الوطني الذي لم يعد يقدر على مقارعة أفشل المنتخبات الأفريقية، وعندما يخسر منتخبنا الوطني- وهو يقول إنه يمثل كل الجزائريين لأن المنتخب الوطني لكرة القدم هو واجهة الدولة وواجهة العلم الجزائري الذي ما ت من أجله مليون ونصف المليون شهيد حتى يظل خفاقا - أمام منتخب الغابون وفي الجزائر، أمام الجمهور الجزائري العظيم، وبثلاثة أهداف ويحرم من المشاركة في فعاليات كأس أمم أفريقا بعد ذلك، فذلك يعني أننا أمام منعرج خطير لم يعد فقط ينفع معه الترقيع، ولكن يتوجب استئصال المرض من جذوره.

هذا على مستوى المشاركة في التصفيات الأفريقية، أما عن المشاركة في التصفيات العالمية فذلك أصبح من المستحيلات المليون أن يعزف نشيد الجزائر قسما في الملاعب العالمية، والسبب يعرفه المسؤولون عن هذه اللعبة، ويفهمون القصد من أن يحرم الشعب من لذة سماع النشيد الوطني الذي بكي مرسلي وهو يستمع إليه، وبكى النجم العالمي رابح ماجر وهو يرى الألوان الوطنية تنهار أمام فريق ما كان يجرؤ لاعبوه أن يتقدموا إلى منطقة الجزاء حينما كان زملاؤه يزأرون في الملعب.

ومن شاهد المباراة الأخيرة أمام غينيا، يزداد بكل تأكيد يقينا بأن حال الكرة الجزائرية، هي من سيئ إلى أسوأ، إذا لم نقل أنها تحتضر، فالمباراة الأخيرة برهنت بالدليل القاطع أن المشرفين على اللعبة في الجزائر، أخطاؤهم لا تزال نفسها تتناسل، وبديهي جدا أن تتناسل لأن فاقد الشيء لا يعطيه، إضافة إلى أن هؤلاء المشرفين على هذه اللعبة التي هيجت الجمهور عقب مباراة غينيا، وتسببت في قتل نفس جاءت فقط لتشبع من مشاهدة المنتخب الوطني الذي يمثل الجزائر على أرض الجزائر المستقلة، بعيدون كل البعد عن التسيير الرياضي، أو بعبارة أدق هؤلاء المشرفون على كرة القدم في الجزائر ليسوا مخولين سواء تقنيا، أو فنيا، أو تسييريا، أو علميا كي يقودوا السفينة التي حسب القاصي والداني هي في حالة غرق.

هناك من يقول بأن وضع المنتخب الوطني في الوقت الحاضر ناجم عن غياب الرجال الحقيقيين ذوي الأيدي والأبصار، لكن يجب ألا ننسى أن هناك رجالا موجودين وجزائريين مائة بالمائة استطاعوا أن يبرهنوا بالدليل القاطع بأن الشخصية الجزائرية قادرة على افتكاك أعلى المراتب إذا ما أتيحت لها الفرصة، ووجدت العون وليس التثبيط، ودليلنا على ذلك وفاق سطيف الذي حصل على كأس أبطال العرب عن جدارة من بيت الفيصلي الأردني، بقيادة جزائريين، وهما عبد الحكيم سرار، والمدرب المحنك رابح سعدان، ألا يدل ذلك على أن الشخصية الجزائرية قادرة على صنع المعجزات، -أحسن بكثير من الشخصية الأجنبية التي تستقدم في كثير من الأحايين من أجل حلب الميزانية العمومية، دون تقديم المطلوب منها- إذا ما وجدت السبل أمامها ممهدة. والتطرق إلى مسألة المدرب الأجنبي ليس يعني بالضرورة أن كل مدرب أجنبي عيناه زرق فهو قادر على العطاء، ورأينا ما حيك للاعب الكبير رابح ماجر في بلجيكا رغم أن الرجل وصل بالمنتخب الوطني إلى تحقيق نتيجة إيجابية في بلجيكا، وقد استقدم المدرب ليكنس بعده لكن لم يقدم معشار ما قدمه رابح ماجر الذي كان يطمح إلى المضي قدما بالفريق من الخميرة المحلية، وليس من الخميرة المستوردة من اللاعبين الذين يلعبون في الأزقة الفرنسية.

وكانت خطة ماجر- ولست أدافع عن ماجر ولكن الحقيقة يجب أن نصدع بها- هي ترتيب البيت الداخلي للفريق، وتكوينه من اللاعبين المحليين حتى نستطيع في المستقبل صنع نجوم يخوضون غمار الاحتراف في أوروبا، وهذا منطقي جدا ومعمول به في أوروبا وفي غير أوروبا، لأن الفريق الوطني في كل دول العالم هو خزان لا ينضب من اللاعبين الذين يذهبون للاحتراف ويشرفون بلادهم بعد ذلك. فأين هم اللاعبون في الوقت الحاضر الذين يلعبون محليا ويحترفون في الخارج، ألم تتوقف الماكينة الجزائرية عن صنع النجوم أمثال ماجر وصالح عصاد، وتاج بن سحاولة، ومصطفى دحلب، ومحمود قندوز، ومنصوري، وسرباح، وووو. وشخصيا شاهدت مباراة الجزائر والأرجنتين، وحز في نفسي أن يلعب لاعبو المنتخب الوطني أمام الأرجنتين من أجل أن يظهروا قدراتهم، لأنهم يلعبون في ملعب كامبنو ببرشلونة، والأنظار موجهة نحوهم، في مباراة ودية، لكن يفشلون أمام منتخب متواضع مثل غينيا في مباراة مصيرية، أليس هذا عار وجبن، أو ماذا؟.

أكان حريا أن يقال المدرب كفالي من منصبه كما أقيل ماجر- رغم أن الفرق شاسع بين ما قدمه كفالي وما قدمه ماجر- بسبب فشله في قيادة الفريق إلى التأهل رغم أن الظروف في كلياتها كانت في صالح المنتخب الوطني، أم أن الأمر مقصود أن يبقى التعفن هو السيد، وتذهب فرصة أخرى لسماع النشيد الوطني في ملاعب أفريقيا بعد أن يئسنا من سماع نفس النشيد على الملاعب العالمية.وإني أسأل المسؤولين عن الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بشكل خاص، هل حقا يؤلمكم الأمر وفريقنا الوطني يخرج عقب كل مباراة خائبا خائرا، وهل يسركم الأمر أن يقود المنتخب الوطني مدرب لا يعرفه حتى أهله، والكفاءات الجزائرية يستفيد منها الآخرون، أم أن المسألة برمتها تتعلق ببزنسة ليس إلا.

لكن يجب أن يعلم الجميع أن المنتخب الوطني هو السيادة وهو الوطن، وهو التاريخ، ومن مس المنتخب بسوء فكأنما مس الجزائر بسوء، فهل هناك غيرة على ترشيد السياسة العامة حتى تستقيم الرياضة، ويقينا يوم تستقيم حال السياسة عندنا فتستقيم الرياضة تلقائيا، وعندئذ يجد رابح ماجر ضالته، ولا يعود للفاشلين مكان ضمن الخريطة الرياضية، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. صدق الله العظيم


No comments: