Total Pageviews

Wednesday 13 June 2007

الشيخ محفوظ نحناح وإستراتيجية المشاركة
عثمان نجاري
نشر يوم 14- 04- 2007

عندما طرح الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله مفهوم أو مبدأ المشاركة لخط سياسي أو استراتيجية سياسية لحركة إسلامية قوبلت من لدن الكثير من الأوساط السياسية الإسلامية بنوع من الاستغراب والاستهجان فالصوت الطاغي آنذاك كان صوت المغالبة وبالتالي لا مجال ولا مكان لأي صوت أو لأي منهج إلا المغالبة.
في المقابل فإن تيار الأقلية الاستئصالية العلمانية المتغربة المتنفذة في دواليب السلطة لم يرقها أيضا طرح المشاركة فهي التي كانت مستفردة بزمام الحكم وبأدوات التأثير والتوجيه فارضة أرائها بمنطق التحكم والإكراه فكيف يمكن لها أن تقبل اليوم بطرح سياسي جديد سمي "المشاركة" لاسيما وهو يأتي مع تيار الحركة الإسلامية وهي التي كانت ترى وتعمل على أن يبقى مكانه الملاحقة المستمرة والرمي به في أقبية السجون وفي أحسن الأحوال إلقاء المواعظ والإشراف على الطقوس الدينية الموسمية ولا تقبل بأي حال من الأحوال بأية مشاركة أو عمل تراه بمثابة منازعة حقيقية لنفوذها ومصالحها.
ضمن هذه المفارقة المتعارضة جاء تأسيس الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله لحركة المجتمع الإسلامي -حركة مجتمع السلم حاليا- وتبنيها لخيار أو إستراتيجية المشاركة كمنهج فكري وخط سياسي تبنت المنهج السلمي والعمل السياسي العلني واعتمدت الوسطية والاعتدال وأسلوب الحوار والتعايش والتسامح، والتوافق والتعاون لمعالجة الأزمة وبناء الوطن بمشاركة وتضافر جميع جهود أبنائه، فكانت بمثابة قيم سياسية انبثقت وانسجمت وتكاملت مع نهج المشاركة الذي بقدر شدة إبهار طلعته بقدر وضوح الرؤية التي توافرت عند طرحه في الساحة السياسية.
فالشيخ محفوظ نحناح رحمه الله عندما طرح هذا المفهوم (المشاركة) وحاول أن يجعل منها تجربة سياسية جديدة يكون لها ما بعدها لم يطرحها في قالب من الفوضى والضبابية ولم يطرحها ليسلمها إلى التخبط والأمزجة والأهواء السياسية لتصنع منها ما تريد وتركب من خلالها ما شاعت من أمواج أو تتحين ما رغبت من فرص.بل طرحها وحدد محتواها نظريا وعمليا ووضح منطلقاتها ومساراتها وبين أسبابها ومسوغاتها وأشار إلى نتائجها وآثارها.ولا يمكن أن نجد أو نستشف هذا إلا في طروحاته ومواقفه وتصريحاته فقط بل مهما كثرت فهي جزء قليل في بناء هذا الصرح فقد كانت كل مواقفه وتصريحاته وأنشطته وتحركاته ومساعيه تطبيقا لسياسة المشاركة والتي حقق من خلالها في مدة وجيزة ما يصعب تحقيقه في عشريات، الكثير من ذلك أنه يمكن تلمس أثار هذه الفكرة وهذه التجربة ليس في حياته فقط بل حتى بعد وفاته وليس عند أتباعه وأنصاره فقط بل حتى عند خصومه ومناوئيه الذين لم يتمالكوا أنفسهم لشدة ما أحدثه فيهم من تأثير فسجلوا عنه أبعاد وسحر شخصيته وأفكاره.فبعد أن يعتبرها -المشاركة- جزء أو تعبير عن المنهج السلمي العلمي وفكر الاعتدال والوسطية والتعايش والتسامح والعمل من أجل الصالح العام، أو هي تصحيح لصورة الإسلام من التشوهات الداخلية والخارجية وحماية ثوابت الأمة وقيمها ودعم للحريات والحقوق ومساهمة في جهود التنمية والعمل الوطني، وبالتالي فهي مشوار سياسي بأكمله حيث نراه يفرق بين أن تحصر في مواقع معينة وبين أن تكون بمثابة مشوار سياسي حيث يقول: "إن المشوار السياسي ليس مرتبطا بالمواقع بقدر ما هو مرتبط بالقدرة على التفاعل مع الأحداث والمساهمة الايجابية في البناء والدفاع الصادق عن الحريات والتخندق مع الشعب، أما المواقع فهي فرصة أتيحت لنا رغم التزوير والتحايل برهنا من خلالها على تحكمنا وقدرتنا على إدارة شؤون الدولة في الإطار التعددي الديمقراطي الجمهوري، ولعل الجميع يشهد أن مشاركتنا في تلك المواقع اتسمت بالجدية والنزاهة والنظافة ورجالنا عملوا ومازالوا يعملون بكل ما في وسعهم لخدمة الصالح العام ولم تتلطخ أيديهم بالدماء ولا بسرقة الأموال، وهذا مثلها كثير من المخلصين في مواقع كثيرة إلا أنهم لم يجدوا من ينصفهم ومعركتنا مع التخلف مستمرة ورغبتنا في تحقيق حلم شهداء ثورتنا جامحة من أجل بناء دولة قوية ديمقراطية اجتماعيته في إطار المبادئ الإسلامية".
فالمشاركة السياسية كان دائما يربطها بالفعالية لتحقيق محتواها وغرضها الحقيقي أولا كتعبير وانعكاس لجوهر الديموقراطية وثانيا لتحقيق المصلحة العامة حيث يقول بهذا الصدد :"جوهر الديمقراطية هو المشاركة السياسية الفعالة وتوازن القوى الذي تقوم عليه الديمقراطية هو المقام الأول توازن بين قوى المجتمع وقوى الدولة".إلى أن يقول: "وأحسن السبل المتاحة والكفيلة بتحقيق المصلحة العامة هو سبيل المشاركة السياسية بأي لون حزبي لا يعترض على الثوابت والموروث الثقافي والحضاري ويجتنب مهالك الفتنة وزرع المآسي وألوان المحن والبلايا التي تمس الأتباع والأنصار كبشر وتمس حقيقية المنهج الفكري وطابعه الرباني من جهة أخرى".
ويؤكد هذه المعاني مجددا به معرض حديثه عن مشاركة الحركة حيث يقول: "مشاركتنا نابعة من مصداقيتنا في الساحة الجزائرية بسبب مواقفنا وبرنامجنا بما يجعلنا بحق أحد المساهمين في حل الأزمة المتعددة والمعقدة والتي لم نكن يوما مثيروها أو صانعيها".هذا النهج الذي يعتبره الشيخ محفوظ نحناح بمثابة جزء من الحل وبأقل التكاليف وهو الأمر الذي نادت إليه الحركة منذ البداية الأزمة وسعت إلى تجسيده عبر مسارها السياسي ومن خلال كل المحطات فيقول: "إننا نعتبر إقناع الأطراف المختلفة بالتقارب هو عودة إلى الحل القائم على المشاركة والتعايش وقبول الآخر رغم الاختلاف معه فالجزائر حررها جميع المخلصين ويبنيها المخلصين وهو عودة إلى مشروع الصلح الوطني وخطاب السلم الذي هو شعار الحركة وبرنامجها وقد عملت الحركة باستمرار على تقريب وجهات النظر والعودة إلى الحسم عن طريق الشعب لا عن طريق القرار الفوقي ولكن في ظل بقاء الدولة ومؤسسات الدولة وليس خارج هذا الإطار".فالمشاركة قبل أن يراها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله من أحسن السبل المتاحة والكفيلة بتحقيق المصلحة العامة يراها أيضا بأنها تنسجم مع الأصول والكليات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لحمايتها وهي (الدين، النفس، العقل، العرض، المال).
لما كان التغيير الحقيقي والعميق والفعال في نظر الشيخ محفوظ نحناح لا يمكن أن يكتب له النجاح بغير أساليب الحكمة والموعظة الحسنة والإقناع والجدال بالتي هي أحسن وهذا طبيعة الفكر الوسطي المعتدل الذي هو ضوء منهج المشاركة واللذان يتعارضان مع الأساليب القائمة على الإكراه والعنف التي هي أقرب إلى منهج المغالبة.ومن ثم فإن التغيير والإصلاح الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا بمنهج المشاركة كمنهج فعال وواقعي وفيه الإمكان العملي.
وهو عندما يرى أن منهج المشاركة يتعارض مع منهج المغالبة فإنه يتعارض أيضا مع ما يسميه بمنهج الاستقالة والروح الانسحابية والسلبية والفرار من المسؤولية الشرعية والأخلاقية التاريخية الذي إن سمح لتيار الاستئصال والعلمنة والتغريب بالتمدد والاكتساح على شاكلة منهج المغالبة الذي يؤدي إلى اشتداد وحدّية الاستئصال أيضا.أما المشاركة فهي أسلوب تطميني للآخر وتجميعي للجهود ومنافية للنزاعات الجهوية والاحتكارية الإقصائية والجزئية كما أن المشاركة هي بمثابة تغيير للمنكر بالمعروف ودفع للضرر بالحسنى وهذا واجب شرعي ومسؤولية أخلاقية لا يجوز التخلي عنها أو التهرب من تحمل مسؤوليتها كما يشير إلى ذلك الشيخ محفوظ نحناح.بل هي كما يضيف في إشارة أخرى إلى أنها شكل من أشكال المخالطة والصبر على الأذى التي حبذا إليها تعاليم الإسلام.ومن النتائج التي حققتها استراتيجية المشاركة حسب الشيخ محفوظ نحناح الحفاظ على الدولة -السلطة أو الحكومة- فالدولة كما يضيف ليست ملكا لحزب أو لفئة أو لشخص أو جهة بل هي ملك للشعب والأجيال، وأيضا من النتائج الحفاظ على صورة الإسلام من خلال تقديمه في صورة مخالفة للصورة المشوهة المرعبة التي رسمتها بعض الممارسات من بعض أتباعه وبعض كتابات الصحافة المتغربة في الداخل ووسائل الإعلام الغربية في الخارج الجاهلة أو الحاقدة أو المتآمرة، وأيضا العمل على توضيح الأزمة والفتنة القائمة في الوطن أمام الجهات الخارجية وبالتالي رفض التدويل وإزالة مبررات التدخل الأجنبي بالإضافة إلى المساهمة في طمأنة القوى والأطراف الداخلية والخارجية تجاه تيار الحركة الإسلامية بإظهار عمق وصوابية طروحات الحركة الإسلامية واستعدادها للعمل الديمقراطي السلمي وإبطال كل مزاعم ودعاوى بعض الأطراف الاستئصالية العلمانية التغريبية التي كانت ترفض أي مشاركة خاصة من جانب الحركة الإسلامية وترى في ذلك تهديد لمصالحها وسياساتها فكانت تدفع دائما لخيار المواجهة بل كانت ترى حتى مجرد وجود القانوني والرسمي للحركة الإسلامية وممارسة العمل السياسي القانوني خطر عليها يجب درؤه بكافة السبل، فلم يكن بالتالي خيار المشاركة، مقبولا أو مستساغا أو سهلا بل جاء وتكرس نتيجة تضحيات ونضالات إلى أن أصبح موئلا للجميع حتى الذين كانوا بالأمس القريب يناصبونه العداء ويرفضونه وما يزال باستمرار يكسب المزيد من القبول ومساحات التأييد.العدد: 17 - (صفر 1428هـ/ مارس 2007م)"

No comments: