Total Pageviews

Thursday 17 February 2011

الشيخ بوسليماني : الرجل الذي لا تهزه العواصف

الأستاذ عبدالرحمن سعيدي

لا أحب آن أتحدث عن العظماء كثيرا ولا أريد رواية معايشتي لهم لكي لايدخل لنفسي الغرور والتفاضل عن سائر من عرفهم وأحتك بهم وأعتبر ما حظيت به منهم هو قدر ساقه المولى عزّوجلّ مثلي مثل الإمام الشاطبي الذي لم يرحل في طلب العلم بل كان العلم وأقطابه في مدينته بل الذي أريده هو تجسيد وتحقيق ما تعلمته من العظماء وكبار المصلحين قدر المستطاع فإن لم نكن مثلهم فلنتشبه بهم

أما كتابتي اليوم جاءت للتذكير بهم - ولم ننساهم أصلا- وتسجيل تلك المواقف الرجولية والوطنية الصادقة والروح الإسلامية الراسخة فيهم وفي حياتهم
إن الشيخ الشهيد رحمه الله تعالى تميز بعدة خصال حميدة جعلته يجلس فينا مجلس القائد القدوة فكان من الذين يقولون في ميدان العمل والبذل والعطاء وساحات النضال والجهد وفي منعرجات الفتن والهلاك " اتبعوني ولا يقول تقدموا "" وأنا إمامكم أَمـامَكُم "
لقد عرفت الحركة والجمعية والجزائر ظروفاً صعبة وعصيبة زلت فيها أقدام كثير من العاملين والدعاة والساسة والفاعلين إلا أنه عرف كيف يستقر أمامها فلم يهتز لها رغم أن بعضها اختلط فيه الحابل بالنابل

الشيخ وأحداث أكتوبر 88

وقعت في 05 أكتوبر 88 أحداثا وانتفاضة شعبية تم فيها التدمير والحرق والتخريب ومات فيها كثير من الشباب خاصة في حي باب الواد عند مسجد كتشاوة وعند ساحة الشهداء في هذه الفترة لم يكن الشيخ محفوظ نحناح موجودا بأرض الوطن وتعطل مجيئه بسبب تجميد حركة النقل عبر الأجواء فالذي تولى مهمة توجيه المناضلين ومتابعة الأحداث هو الشيخ محمد بوسليماني
كنَّا نحاول فهم الأحداث وأبعادها وموقع الإسلاميين منها خاصة عندما ركب الشيخ علي بلحاج موجة الأحداث ولم نعرف لها قيادة واضحة وهوية بينة إلى حد الساعة دعا إلى مسيرة تخرج من مسجد بلوزداد بالعاصمة وكذلك مسجد السنة بباب الوادحيث شهدت حادثة دموية حيث قام مجهول بإطلاق النار على عناصر الجيش الوطني فكان الرد في إتجاه المتظاهرين فوقع التعفن والانزلاق وركب علي بلحاج وكثير من الإسلاميين الموجة صنعها الغير و عندها حدد لناالشيخ بوسليماني رحمه تعالى في سياق الأحداث موقفا واضحا لا لبس فيه و لم يلتفت فيه إلى العواطف رغم أننا كنا نعيش قمعا في الحريات فصرح لنا بأننا لانشارك في أحداث أو تظاهرات خططها لنا غيرنا أو نركب ما صنعه غيرنا أو ننساق وراء ما نجهل أهدافه من المسيرات والتظاهرات ولا نساير أوضاعاً غير سلمية ظاهرها العنف وإن كانت تحمل عنواناً سلمياً وبهذا الموقف استطاع تجنيب الحركة الإسلامية الانزلاق وأن تقف موضع التهمة والريبة

الشيخ بوسليماني ورابطة الدعوة الإسلامية

لقد شكلت الفصائل الإسلامية رابطة للدعوة الإسلامية وكان على رأسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله تعالى من بقايا جمعية العلماء المسلمين بعد الاستقلال ومن تلاميذ العلامة إبن باديس وكانت تهدف الرابطة ان تكون مرجعية دعوية للفصائل الإسلامية في مختلف الميادين وفضاء لهم للتشاور والتنسيق وفض الخلافات وتسويتها وكان الشيخ بوسليماني عضو فيها بمعية الشيخ محفوظ نحناح والأخ بوجمعة عياد وكانت الرابطة تحاول التوفيق بين الفصائل الإسلامية وإيجاد صيغ التعاون والتنسيق في شتى المجالات خاصة الإنتخبات في عام 90 ولم تفلح وكانت الجبهة الإسلامية بقيادة الشيخ عباس مدني وعلي بلحاج تتنصل دائما من الالتزامات الرابطة ولا تتجاوب مع إرادة الأعضاء في الرابطة بل حمّلت جمعية الإرشاد قبل تأسيس حماس مسؤولية الإخفاق والفشل وروجت هذه الأطروحة لدى رأي العام وكان الشيخ بوسليماني لايريد الدخول في مهاترات مع الفيس وكذلك الشيخ محفوظ لكن عندما تماد الفيس قام الشيخ بوسليماني بكشف الحقائق وتوضيح الصورة بكل شجاعة رغم أن الفيس سحق المنافسين في الانتخابات وكانت له قوة شعبية عارمة كانت تنشد تغيير النظام مع كل ذلك تصدى لهم الشيخ بوسليماني بمحاضرة كشف فيها ما بذلته جمعية الإرشاد أنذاك من مقترحات ومساعي وجهود لتوحيد الإسلاميين وما قدمته من تنازلات في سبيل تخفيف الضغوطات وكشف الأساليب التي تمارسها الجبهة الإسلامية من أجل تفجير الوضع في الجزائر من العناد والأحادية والتفرد بالرأي وتهميش الرأي المخالف ولكنه لم يخشى أحدا في ذلك وجاءت الأحداث بعد ذلك أخبرتنا بصحة ما ذهب إليه رحمه الله تعالى

الشيخ بوسليماني وهيبة الحركة

بقدر ما يُعرف الشيخ رحمه الله تعالى بأنه مربي وصانع الرجال والمنظم المتمرس والمحنك وصاحب النفس الطويل لايصيبه الإرهاق إلا بعدما ينال من الجميع فكان إلى جنب ذلك يرفض خرق المؤسسات في الحركة ولا يشجع التطاول على مؤسسات الحركة ويحب العمل الجماعي المؤسسي يحترم السلم التنظيمي ويواجه كل من يلحق ضررا بهيبة الحركة ومصداقيتها وقد انتصر للحركة وقراراتها ولم ينتصر للأشخاص رغم منزلتهم القيادية وقرب بعضهم منه وكان يقول " الحركة شجرة لها جذور عريقة مسقية بعرق المنتسبين لها فلا يجوز ضربها بفأس أو قطع أطرافها أو نتر ورقها أو إفساد ثمرها أو أكل ثمرها قبل نضجه " وكان يقول أيضا " أن العمل في جماعة يحتاج إلى قدرة البلع مثل من يبلع الشوك " فكان لاينساق لعواطفه أمام إفساد هيبة الحركة ومكانتها عند الناس مع أنه رجل عاطفي ورباني فهو من الذين يقال فيهم "إعرف الحق تعرف رجاله وليس العكس "
كانت له نظرات وأراء مخالفة لما عليه الحركة فلم نسمع أنه أخرجها من دائرة المؤسسات ولم يخرق بها إجماع ولم يدعو المناضلين ليلتفوا حولها بل كان رجلا يلتزم هيبة الحركة وشرعيتها

الشيخ بوسليماني والإرهاب

كان رحمه الله في شبابه مجاهدا أيام الثورة المباركة ضد الاستعمار الصليبي الفرنسي وهو وطنيٌ متشبع بالوطنية الصادقة التي تجعله يحب الجزائر ويتفانى في خدمتها ويعمل على إصلاحها وبذل النصح للجميع حكاما وغيرهم فلما حلّ الإرهاب ببلادنا ولم تظهر همجيته بداية وغلب على الأغلبية الصمت والذهول والخوف قام الشيخ مع الشيخ محفوظ نحناح رحمهما الله تعالى برفض العنف والإرهاب وعمل على التفريق بين الإرهاب والجهاد وأنكر عليهم ربط الإرهاب بالمشروع الإسلامي وكان يدعو شبابنا إلى ترك العنف ويدعو السلطة للحوار وظلّ يردد ويكرر أن جزائر الشهداء والثورة والجهاد لاتستحق هذا الوضع المأساوي وأن يشمت فينا عدو الأمس وبسبب هذا الموقف الواضح والصريح تمّ اختطافه من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادة آنذاك شريف قوسمي وكانوا يريدون منه أن يصدر فتوى بصحة وشرعية عملهم وأنه جهاد في سبيل الله ضد الطاغوت الذي هو النظام نظراً لمكانته الدعوية والسياسية وموقعه في الحركة فرفض طلبهم بل ذهب لنصحهم ودعوتهم بالعودة إلى مجتمعهم وبناء وطنهم بل ذهب أكثر من ذلك ووَعدهم أن يكون ضمانا لهم أمام السلطة إن تخلو عن أسلحتهم " حسب شهادة من حضر المجلس " علوط عزالدين من بوفاريك سلم نفسه بعد ذلك " رفض قادتهم وطلبوا منه فتوي مسجلة في ذلك أو يقتل فقال لهم بكل عزة وشجاعة وتحداهم ولم تهزه تهديداتهم " أملك خمس لترات من الدم فهي لي خذوها أماّ دماء الجزائريين فلا أملكها فلا أُفتي فيها فهي محرمة عليَّ "فأدركوا أنهم لن ينالوا منه ما يريدون فقامت الأيادي الآثمة بذبحه من الوريد إلى الوريد فرحمة الله عليها فهو شهيد قدم روحها فداءاً للإسلام والجزائريين جميعاً

رحمك الله يا شيخنا علمتنا الثبات الرجولة الشجاعة وعلمتنا كيف نحافظ على البيت وقواعده علمتنا كيف لايغرينا الناس بحبهم أو نفرتهم وكيف لاتستهوينا السلطة ببريقها أو تخيفنا بغضبتها

لقد كنت لنا عنوانا للتائه وحصنا للخائف وحضن للمشتاق وفهما للمضطرب وبسمة للمهموم وروية للمتعجل وميزانا للمتربص وسدا للمغرض وعلمتنا أن القيادة ليست بطولة إنما تواضع وتضحية وليس حديثا عن الذات لقد كنت في حياتك تكثر من عبارة الجماعة والمؤسسة والنون الجماعية ولم نسمع الأنا ولكن بعد استشهادك نحن من يتحدث عن شخصك ونعتز بذلك

No comments: