Total Pageviews

Friday 18 January 2008

خلال افتتاحه لدورة المجلس الشوري الوطني، الشيخ أبو جرة سلطاني

أيها الإخوان
أيتها الأخوات
السيدات و السادة الأفاضل:
يجدر بي أن أستعرض أمامكم بإيجاز أهم المحطات والانجازات التي كللت جهود المناضلين في العام الماضي، ونقلت الحركة – بحمد الله تعالى- من حساب المقاعد إلى حساب البلديات، ومن نيابة رئاسات في المجالس المحلية إلى تسيير مجالس ولائية، ومن انتشار ديموغرافي انتخابي نسبي في 36 ولاية إلى تمثيل معتبر في 47 ولاية، ومن وعاء انتخابي إسلامي ( حماسي) ثابت للحركة إلى وعاء إسلامي وطني ديمقراطي يقترب من مليون صوت، وكلها مكاسب سياسية، كمية و نوعية، حققتها الحركة، بفضل الله تعالى، رغم تشتت الوعاء الانتخابي، وعزوف التيار الإسلامي التقليدي عن التصويت تحت ذريعة:" من حسن السياسة ترك السياسة".
والفضل في هذا، بعد الله عزوجل، يعود إلى شهداء الحركة الذين ضحوا من أجل ترسيخ مبادئها و قيمها، و في مقدمتهم الشهيد الذبيح محمد بوسليماني، و علي العايب، والأستاذ لحسن بن سعد الله، و الشيخ بزاز و الدكتور حمود حنبلي، و كل من سار على دربهم، ثم يعود الفضل بعدهم إلى الانضباط الحزبي، وإلى تضحيات المناضلين والمناضلات الذين فهموا بدقة ووعي ماوراء دندنات المرجفين حول شبهة التراجع، واستوعبوا بمسؤولية كاملة مفاصل اللعبة الديموقراطية في المشهد السياسي الجديد.
إخواني أخواتي
السيدات الفضليات السادة الأفاضل.
لقد وقفت حركة مجتمع السلم سنة 2007، كما هو شأنها دائماً، مع الدولة الجزائرية لما تهددتها التفجيرات الإرهابية مستهدفة بعض رموزها، و وقفت مع الدولة لما استهدفتها بعض وسائل الإعلام بالإرباك والتشويش، و وقفت معها، رافضة و منددة، لما حاصرتها بعض الجهات بالضغط المعنوي لإنشاء قواعد عسكرية على تخومها.. بدعوى مكافحة الإرهاب.. و تجفيف منابعه.
و شاركت الحركة في كل مسعى تتحقق به الوحدة الوطنية ، و يحقن به دماء أبناء الجزائر،و يساهم في إرساء السلم و المصالحة الوطنية، و الحركة اليوم تشيد بكل هذه المنجزات التي صارت مفخرة للأمة كلها،لأنها صانعة لها، تتحمل مسؤولياتها، وتمارس حقها في النقد الذاتي البناء، وتعارض الرداءة، وتقاوم الفساد، وتحتفظ بحقها في استقلالية قرارها، و في براءة ذمتها السياسية، وتعتقد أنها قد صارت رقماً فاعلاً في معادلة الاستقرار، وفي مساعي المصالحة الوطنية، التي تدعو اليوم إلى ترقيتها باقتراح مبادرة جديدة جامعة، تدعو كل المخلصين و النزهاء إلى الانخراط فيها وتفعيلها لاستكمال المسار الذي جاءت به تدابير ميثاق السلم و المصالحة الوطنية حتى ترد كلّ الحقوق إلى أصحابها، و تعوّض ما بقي من متضرري المأساة الوطنية دون استثناء.
أجل، إن تجربتكم في التعامل مع " بالونات الاختبار" قد تجاوزت ظنون الرجم بالغيب إلى مرحلة دعوها تقع ،و إن أمثالكم لا تفاجئهم الأحداث، ولا توهمهم التصريحات الصحفية، و لا تهزهم رياح المتغيرات الظرفية، و لا يستفزهم دافع باتجاه القرار المتسرع، و لا جاذب باتجاه اللاقرار، فالمخطط الخماسي مرجع و معلم، و في المرجع والمعلم إحالة هادئة على أولويات سنة 2008، وفي سلة 2008 تنتظركم خمسة (05) ملفات هي واجبات المرحلة، وهي تمثل رهانات الحركة وأولوياتها الإستراتيجية لسنتي 2008 و ما بعها، وهي :
ملف الجبهة الاجتماعية وما يتضمنه من إجراءات إضافية لامتصاص التوترات .
ملف التنمية الاجتماعية والاهتمام أكثر بالفئات الهشة و المحرومة.
ملف مراجعة تعديل بعض القوانين ذات العلاقة بالإصلاح السياسي الشامل
ملف نمذجة زهاء 50 بلدية وضمان استقرار بقية المؤسسات المنتخبة.
ملف المؤتمر الرابع للحركة، وما يجب أن يتحمله كل واحد منكم من مسؤوليات، و ما يجب له من تحضيرات، وما يترتب عن نجاحه المرتقب من رهانات على مستقبل الجزائر، و مستقبل الديموقراطية و مستقبل الحركة و مؤسساتها و رجالها ، و على مستقبل التيار الإسلامي في الجزائر كلها، فالأمة تراهن عليكم فلا تخيبوا آمالهم فيكم، فانتم آخر خط دفاع تتترس به الأمة الإسلامية ضد رياح العولمة وتداعياتها..
السيدات الفضليات.
السادة الأفاضــل.
إنكم في عيون خصومكم كبار، و قد صار لكم صوت مسموع على المسرح الدولي، و أما على صعيد النضالات ذات البعد الوطني المرتبطة بالبعد الإقليمي و الدولي،فتنظركم مسألتان-تمثلان تحديا مباشرا لمستقبل الدولة الوطنية - و لهما علاقة مباشرة بكل ما يحدث في العالم اليوم من تحولات متسارعة انعكست سلبا، للأسف، على طبيعة الأنظمة المسماة " نصف / نصف" لا هي ديموقراطية و لا هي دكتاتورية ، و لا هي اشتراكية، ولا هي رأسمالية، و لا هي إسلامية و لا هي علمانية، و نظامها لا هو رئاسي و لا هو برلماني ..إلخ ، وأعني بها تداعيات العولمة، خاصة بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وقد بدأنا نحس، في الجزائر، بثقل هذه التداعيات على واقعنا الاجتماعي و الثقافي والسياسي...
المسألة الأولى، فهم العلاقة بين النفط وإسرائيل: أن أي قراءة سياسية لما يحدث اليوم –في الجزائر وغيرها- لابد أن تستصحب معها عاملين لازمين هما : النفط، وإسرائيل، ولأن الجزائر تعتمد – في اقتصادياتها وتنميتها وتجارتها ودخلها – على موارد المحروقات بنسبة تتجاوز 90%، فإن المحتمل الراجح- خلال الخمس سنوات المقبلة- هو تكدس عشرات الملاييرمن الدولارات في خزينة الدولة ، وسوف تتكاثر عليها الضغوط الخارجية الدافعة باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، عندئذ نجد أنفسنا أمام واحدة من اثنتين :
إما القبول بسياسة الأمر الواقع، و الدخول في صف المصفقين، و تسخير ريوع المحروقات في توفير المستهلكات والبهارج و الزيادات الجزافية في الأجور لتهدئة الجبهة الاجتماعية.. وانتظار أزمة معقدة.
و إما رفض كل أشكال الاستدراج الخارجي،و الاحتماء بالشرعية الشعبية،و الإسراع بفتح نقاش وطني شامل حول مستقبل الجزائر، نقاش يشبه الاستفتاء، قد يمكن من بلورة رؤية موحدة ومنسجمة ومتكاملة تتوج باقتراح نموذج ديموقراطية حقيقية،ووضع سياسة اقتصادية إنمائية جديدة.
هذه واحدة من التحديات الكبرى التي يجب توقعها، و تحضير أنفسكم لمواجهتها وتذليلها خلال سنة 2008، 2012، وكل تأخير لها سوف يزيد في درجات الضغط الخارجي المفضي إلى المزيد من التوتر الاجتماعي والاحتقان السياسي.
والمسألة الثانية، فهم العلاقة بين العولمة والسيادة الوطنية: أن العولمة، بمعناها الواسع، قد صارت عدوة لمفهوم الدولة الوطنية، وعدوة لمعنى السيادة الكاملة و عدوة للتمسك بالدين و الوطن و الهوية و الثوابت، لاسيما إذ تعلق الأمر بأنظمة فقدت مبررات استمرارها و لم تتهيأ البدائل القادرة على استخلافها.
فالقول اليوم بأن الدولة المالكة للنفط والغاز مثلا ، هي دولة قادرة على الإقلاع الاقتصادي، و قادرة على حماية و تأمين حدودها، ليس قولاً دقيقاً تماماً، ولذلك سوف نحرص- خلال نفس الفترة- على أن نفتح بشجاعة نقاشا وطنيا واسعا حول ملف اقتصاديات (( جزائر ما بعد النفط)) لتوفير شروط الإقلاع الاقتصادي المأمول بعد استجماع الشروط الضرورية و استكمال بناء الجدار الوطني و الاطمئنان على سلامة الدولة .
وفي هذا السياق، ومن أجل ضمان تهدئة اجتماعية، بصفة مؤقتة و ظرفية لا تتجاوز السنتين، فإن حركة مجتمع السلم تدعو إلى ضرورة الإبقاء على تدخل الدولة المباشر، في سياسة دعم الأسعار لحماية القدرة الشرائية وتأمين مصادر الرزق لجميع المواطنين، وذلك بالاستمرار، المتدرج مع الزمن، في إجراءات تسقيف أسعار المواد العشر (10) ذات الاستهلاك الواسع، دون تحجج بقواعد اقتصاد السوق،أو تذرع بإملاءات المنظمة العالمية للتجارة، أو بشروط الاتحاد الأوروبي.
ففرنسا مازالت تقدم الدعم للقطاعات الإستراتيجية لحمايتها من المنافسة.
والولايات المتحدة الأمريكية تفعل الشيء نفسه لشركاتها الكبرى العابرة للقارات .
والهند والصين، واليابان... وسواهم، فكيف تفرض الخيارات السياسية في الجزائر، على المواطنين، منطق ((اقتصاد سوق)) في دولة مازال هذا السوق نفسه، يستورد جلّ ما يأكله المواطنون وما يلبسونه وما يتداوون به..؟ والحكومة تعرف قبل غيرها أن الجزائر لها سوق ولكن ليس لها اقتصاد إلاّ اقتصاد الواردات، أو اقتصاد الحاويات.
إن وضعنا الاقتصادي مازال هشاً، بجميع المقاييس، رغم المجهودات المبذولة، وأن الجبهة الاجتماعية مازالت غير مستقرة رغم التطمينات الرسمية (بعد توقيع العقد الوطني الاقتصادي الاجتماعي بين الحكومة والشركاء)، وأن هناك من يدفع باتجاه التأزيم، وهناك من يتربص لإلقاء المزيد من الزيت على النار،وأن الترقب السياسي مازال سيد الموقف، والنفط مرشح لشتى المضاربات في السوق الدولية.
و كل هذا ليس في صالحنا على المدى المتوسط، لأنه لا يخدم الاستقرار و لا يدعم جهود التنمية ، بل قد يعرض كل مساعي الحاصلة إلى امتحانات صعبة إذا علمنا إن هناك، في الضفة المقابلة ،تحضيرات جارية لتنفيذ مخطط جديد يتم تمريره بالتقسيط بعدما استعصى تمريره بالجملة، في مسمى الاتحادات المتوسطية، و هو مخطط قديم بثوب جديد يدفع باتجاه هدفين:
هدف مقنّع هو الاستعمار الجديد ( النيوكولونيالية) تحت ذريعة التعاون على مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن القومي( لإسرائيل) وتجفيف المنابع والضربات الاستباقية والقواعد العسكرية.. وسواها.
وهدف سافر هو الليبرالية اليمينية المتطرفة ( النيوليبرالية) التي تستهدف سحق الطبقة الوسطى والإيغال في توسيع الهوة الاقتصادية والفجوة الاجتماعية بين فئات المجتمع الواحد لإحداث المزيد من الاحتقان والتوترات اللازمة لطلب التدخل الأجنبي بأي شكل من الأشكال، و ما يحدث في غزة من حصار جائر خير شاهد على ما نقول،دون الحديث عن إبادة الشعب العراقي و التهديدات الحاصلة في الجوار.. و العدو المشترك لهؤلاء جميعا هو الإسلام.. هو "الخطر الأخضر" سواء لبس عباءة الاعتدال، أو خلع قميص الإرهاب، أو أرتدي بذلة الديموقراطية.. فما دام يرفض التطبيع فهو عدو للسامية.
وعلى هذا النحو، و بهذا الفهم، و مع كل هذه الجراحات النازفة وفي ذات السياق المنهجي والتاريخي،تعودنا-في حركة مجتمع السلم-أن نبتسم للشدائد و أن نحتكم للمؤسسات، و نحتمي –بعد الله عزوجل- بالقيم و الثوابت و بالرجال الذين صنعوا التاريخ و سجلوا البطولات، و نطمئن الجميع أن المستقبل لهذا الدين، و أن الأزمة تلد الهمة، و أن الأمر إذا ضاق اتسع، و أن مع العسر يسرا،و كلها بشريات للشعوب الواقعة تحت ظلم ما يسمى بالنظام الدولي الجديد،أما نحن في الجزائر، و في حركة مجتمع السلم تحديدا، فلا خوف منا و لا خوف علينا:
-فإسلامنا راسخ، لم يعد قابلا للشك
- ووطنيتنا ثابتة لم تعد محل اخذ ورد، و لا مساومات
- و ديموقراطيتنا صارت ثقافة فوق الشبهات وممارسة من داخل المؤسسات..
وكل قراراتنا- في الرجال، و الدساتير، و البرامج و السياسات- سوف تصدر عن مؤسسات الحركة وحدها دون سواها، و بكل سيادة، وفق قناعاتها، وليس لأي أحد الحق في استباق قرارات هذا المجلس الموقر كما أنه ليس لأحد – مهما كان- الحق في فرض رأيه، للضغط به للتخويف، أو المزايدة على البعض لتخطي الصفوف، فالمجلس حرّ سيّد، والدفاع عن استقلالية القرار مسألة مبدئية، وللمجلس الموقر الحق في التقديم والتأخير، بل وله مطلق الحق أن يمحو كل ما قيل بين مجلسين ويقطع الشك باليقين، وأما المؤتمر الرابع، فمهما حسبت أمامه من أنفاس، ومهما قرعت حوله من أجراس ،فإنه سيكون كما عودناكم دائما موعدا إعلاميا زاكيا ومحفلا إسلاميا باقيا،و عرسا ديموقراطيا راقيا، يجمع صفوة أبناء الحركة و بناتها ، يقولون فيه – بكل شجاعة وحرية وشورى وديمقراطية- للمحسن أحسنت و يقدمونه و يرفعونه ، و يقولون فيه للمسيء أسأت و يؤخرونه، وهي قناعة نابعة من ((إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون و لا غدر، و تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع و لا بخل)) بل هي ثمرة "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.." و طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.. و لكن في الاتجاه الصحيح "و لتعلمن نبأه بعد حين".
السيدات الفضليات.
السادة الأفاضــل.
أشكركم على صبركم، وأعتذر لكم عن طول هذا الخطاب، وأعلن عن الافتتاح الرسمي للدورة العادية لمجلس الشورى الوطني، متمنياً لكم التوفيق والسداد والرشاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجزائر في 08 محرم 1429 هـ
الموافق 16 ينايـــر 2008 م
ملاحظة: لمطالعة النص الكامل الرجاء النقر على الرابط التالي:

No comments: