Total Pageviews

Thursday 15 March 2012

إنما يعتذر البشر-د. الهادي الحسني ردا على تصريحات سركوزي الأخيرة


الكاتب:
الهادي الحسني 2012/03/15

إنما يعتذر البشر

لو اتفق الناس على تشكيل لجنة علمية نزيهة لإحصاء عدد الجرائم منذ عهد ابني آدم هابيل وقابيل، ولتصنيف هذه الجرائم لكانت النتيجة بإجماع أعضاء اللجنة هي أن عدد جرائم فرنسا في الجزائر وحدها يفوق عدد جرائم غيرها، وأن جرائم فرنسا في الجزائر هي أسوأها، وأبشعها، وأفظعها، وأشنعها، وأوحشها، وأقذرها، وأحقرها، ولما تضمن تقرير هذه اللجنة أكثر من جملتين اثنتين إحداهما للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت وهي: »إن الاستعمار الفرنسي هو أسوأ وأخبث مايمكن أن يُنكب به شعب من الشعوب (1)«، والجملة الثانية هي ما قاله الكاتب ألفريد لوسيس هُورن: »إذا كان الله قد خَلق مستعمرا أسوأ من الاستعمار الفرنسي فإنه لم يخبرني به (2)«.

إن جرائم فرنسا في الجزائر التي تعجز لغات العالم عن وصفها جعلت شخصية في مكانة وقيمة السياسي الجزائري المثقف حمدان بن عثمان خوجة يعقد مقارنة لا بين ظلم فرنسا وظلم »الترك« ولكن بين »عدل فرنسا« وظلم »الترك«، وقد انتهى في مقارنته إلى أن يستغيث الله ـ عز وجل ـ قائلا: »اللهم ظُلم الترك ولا عدل الفرنسيس (3)«.

لقد قال حمدان بن عثمان خوجة هذا الكلام بعد ست سنوات ـ فقط ـ من حلول الطاعون الفرنسي في الجزائر، فماذا كان سيقول لو »تنعّم مدة أطول بـ »الحضارة الفرنسية«؟ لا شك في أنه سيقول ما قاله مفدي زكريا بعد ذلك بقرن وبضع سنين وهو »يا فرنسا، يا لعنة البشرية (4)«.

إن أول مجرم في تاريخ البشرية هو قابيل ابن سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ الذي قتل أخاه هابيل، ولكن ضميره صحا »فأصبح من النادمين«، ولو كان لهابيل ابنٌ لجاءه قابيل واعتذر له عن قتله أباه، ولطيّب خاطره واسترضاه، لأن ذلك هو ما يدفع إليه الندم، ولهذا جعلنا عنوان هذه الكلمة، »إنما يعتذر البشر«، وأما غير البشر كالحيوانات أو ما يشبهها في الكائنات ولو أُدرجت في صنف البشر فليس في جِبلّتها أن تندم ثم تعتذر. فهل رأى الناس خنزيرا، أو ضبعا، أو ذئبا، أو كلبا، أو ثعلبا، أو.. أو.. نَدم على فعلته، واعتذر عن جرائمه؟
جرّني جرا ودعني دعّا إلى هذا الكلام الذي يسبب الغثيان »هدرة« نيكولا ساركوزي في »هملته (بالهاء) »الانتحابية« (بالحاء) من أن فرنسا لن تعتذر عن جرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، وأنه ليس للأحفاد أن يعتذروا عن جرائم الأجداد..

إن دولا أكبر قيمة وأعظم شأنا، وأغير على شرفها اعتذرت لمن مسّتهم بسوء لبضع سنين، فهذه ألمانيا تعتذر لليهود عما سبّبته لهم من آلام، وهذه اليابان تعتذر لشعوب كوريا، والصين وشرق آسيا عما ارتكبته في حقها من جرائم، وها هي إيطاليا تعتذر لليبيين وما هي إسبانيا تتحلى ببعض المروءة فتعتذر لليهود الذين طردتهم، وتأخذها العزة بالإثم فلا تفعل مثل ذلك مع المسلمين الذين أخرجتهم من ديارهم ممن نجوا من حملة التقتيل وعملية التنصير القسري.
أما عدم اعتذار ساركوزي وغيره عن جرائم فرنسا في الجزائر فقد أجبنا عنه وقلنا »إنما يعتذر البشر الأسوياء«، وعندما تدخل فرنسا »التاريخ الحضاري(*)« فستعتذر للجزائريين ولغيرهم من الشعوب التي نكبت بها، ولن تجد في ذلك غصاصة، لأن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه من شيم البشر النبلاء.
وأما عدم تحمل الأحفاد جرائم الأجداد - وأدعو ساركوزي أن يجعلها أغنية في »هملته الانتِحَابية - فقد كشف بها ساركوزي عن سوْءته الأخلاقية، حيث راح بعد قولته تلك يصيح كالممسوس الذي أعيا داؤه الراق بأن على الأتراك الحاليين أن يعترفوا بـ »جرائم« أجدادهم منذ قرن ضد الأرمن!!
إنني أنصح من لم يفهم قوله تعالى عن أناس »لهم قلوب (**) لا يفقهون بها، ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها« أنصحه أن ينظر إلى هذا الشخص المسمى ساركوزي، ذلك أنه لم يكن حتى ككفار قريش الذي كانوا يحلون الشيء عاما ويحرّمونه عاما، ولكنه لأنه نموذج فريد يحلّ الشيء شهرا، ويحرّمه شهرا..
إن ثالثة الأثافي التي جاء بها ساركوزي هي ضغطه لإصدار قانون لمتابعة من يحتقر »الحركى، ويهينهم، ويسخر منهم..

إن الخيانة عند جميع الشعوب النبيلة وعند جميع البشر الأسوياء جريمة ليس هناك أحط منها وأنذل إلا عند فرنسا، فلخصوصيتها فهي تحترم من لا يستحق الاحترام، وتجل من يستأهل الإذلال، وتكبر من حقه الاحتقار والاستصغار.

إن مجرد النطق بكلمة »حركي« يستوجب تجديد الوضوءين الأصغر والأكبر. وذلك على مذهب الشاعر الأندلسي أبي بكر اليكّي القائل عن شخص نذل حقير:
أعيد الوضوء إذا نطقت به ** متذكرا من قبل أن تنسى
واحفظ ثيابك إن مررت به ** فالظل يُنجّس الشمسا
إن هذه »الشكشوكة الساركوزية« التي تسبب القيء - حاشاكم- (عدم الاعتذار عن الجرائم - الأحفاد لا يتحملون جرائم الأجداد - تجريم من ينكر جرائم الأترك ضد الأرمن - تجريم من يحتقر الحركى ويهينهم..) هذه الشكشوكة كلها دفع إليها خلق حقير يسمى الطمع، وطمع ساركوزي هو تجديد عهدته الرئاسية ولو بأخسِّ الصفات الأخلاقية:
فعدم الاعتراف بجرائم فرنسا هو طمع في أصوات لصوص الجزائر« الذين نسبهم ساركوزي للجزائر وسماهم »فرنسيي الجزائري« وطمع في أصوات اليمين الفرنسي وتجريم من ينكر »جرائم الأتراك« هو طمع في أصوات كمشة من الأرمينيين في فرنسا.

وتجريم من يهين الحركى (الخونة) هو طمع في أصوات أشباه البشر الذين باعوا دينهم، وشعبهم، ووطنهم، وواللّه لأشرف منهم، لأنها تدافع عن عرينها فتقتل أو تقتل. وقد إأيت كبيرا من هؤلاء الحركى منحته فرنسا منصب »كاتب دولة« يأتي إلى الشيخ العباس في مسجد باريس وينفجر بكاء ويقول: لا أشكو نقصا في متاع الحياة الدنيا، ولكنني أعلم وأحس أن الفرنسيين ينظرون إلي في قرارة أنفسهم باحتقار كبير..
وصدق الشاعر العربي القائل: »من يهن يسهل الهوان عليه«، ومن قبله قال أصدق القائلين سبحانه وتعالى: »ومن يهن الله فما له من مكرم«.
إن من يتطلع إلى المناصب السامية عليه أن يتحلى السامي من الأخلاق والنبيل من الصفات، ولا يتوسل إليها بالأساليب الرذيلة والوسائل الحقيرة، و»الناس معادن« كما قال سيّد الأولين والآخرين، محمد الأمين.

1) عبد الرحمن الجيلالي: تاريخ الجزائر العام. ج 4 ص 366 ط: بيروت 19-80
2) محمد الصالح الصديق: من قلب اللهيب
3) حميدة عميراوي: دور حمدان خوجة في تطوير النهضة الوطنية. دار البعث ص 231
4) مفيد زكريا: اللهب المقدس ص 165. ط الجزائر 1983

*) ذكرت أوبري مارتين - زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي أن ساركولي قال في دكار في جويلية 200 »إن الرجل الإفريقي لم يدخل التاريخ بالقدر الكافي« انظر جريدة الخبر في 11 / 3 / 2012 ص 13
**) عن القلب انظر »معجم ألفاظ القرآن« لمجمع اللغة العربية. مادة ق ل ب

Sunday 11 March 2012

ساركوزي: لن نعتذر للجزائر التي ارتكبت جرائم في حقّ الحركى



وجّه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، اتهامات خطيرة لقادة الثورة التحريرية، مرتكبا واحدة من أكبر المغالطات التاريخية، حينما وضع كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال والحرية، في مستوى الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها بلاده في الجزائر، طيلة ما يقارب قرنا ونصف.


الجديد في خطاب ساركوزي المستفز لمشاعر الجزائريين، ليس تأكيده رفض بلاده الاعتذار للجزائر، وإنما في مساواته بين الجلاد والضحية، بين جيش جرار قوامه نصف مليون جندي كان مدعوما بالحلف الأطلسي، وبين شعب أعزل واجه دبابات عدوه بصدور عارية، ومجازر 08 ماي 1945، وقنابل النابالم شاهدة على ذلك.

ساركوزي وفي حوار خص به صحيفة "نيس ماتان"، قال: "نعم، كانت هناك تجاوزات كبيرة من هذا الطرف أو ذاك، يتعين التنديد بها، لكن لا ينبغي لفرنسا أن تعتذر"، ويقصد هنا بالطرفين، فرنسا وجبهة التحرير الوطني، وذلك بينما كان بصدد الرد على سؤال يتعلق بالتصريح الذي أدلى به في جانفي الأخير، والذي أكد من خلاله رفضه القاطع تقديم الاعتذار للجزائر.

وتضم مدينة نيس واحدة من أكبر تجمعات الحركى والأقدام السوداء، إلى جانب العديد من المدن الفرنسية التي تطل على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وهو ما يفسر توجهات خطاب ساركوزي، التي طغت عليها حسابات الانتخابات الرئاسية، دون مراعاة أي اعتبار لشعور الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا.
مرشح الرئاسيات الفرنسية، وبدل أن يحكّم المنطق والعقل وهو يتحدث عن "حرب الجزائر"، كما تسميها الأدبيات الفرنسية، راح يبرر ما لا يبرر، مقدما عبارات لم تعد تجد لها آذانا صاغية، حتى عند أوساط الأقدام السوداء والحركى، الذين لم يستفيقوا بعد من صدمة الوعود الكاذبة التي أطلقها نزيل قصر الإيليزي، في الحملة الانتخابية لرئاسيات 2007، التي حملت ساركوزي إلى سدة الحكم.

ومن بين المبررات التي ساقها ضيف "نيس ماتان" في هذا السياق، هو أن العمليات العسكرية الإجرامية وحرب الإبادة التي ارتكبها الجيش الفرنسي إبان الثورة التحريرية، كانت حصيلة قرارات وقعتها حكومات أفرزها الشعب الفرنسي، وقال: "العمليات العسكرية التي قام بها الجيش الفرنسي في الجزائر، ونذكر بأن الجزائر كانت يومها جزء من التراب الفرنسي، تمت في إطار الجمهورية الفرنسية، التي قادتها حكومات شرعية ومنتخبة بطريقة ديمقراطية.. لكن فرنسا لا يمكن أن تعتذر عن هذه الحرب".

وبعد أن استفاض ساركوزي في "تطييب" خاطر الأقدام السوداء والحركى، توسل إلى من يسمون بـ"فرنسيي الجزائر"، إلى عدم التصويت لصالح حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبان، وأوهمهم بأنه على اطلاع تام بالمشاكل التي يعانون ولازالوا يعانون منها، وحذّر من مخاطر التصويت على هذا الحزب، كونه سيؤدي إلى إضعاف فرنسا.

وغازل ساركوزي فرنسيي الجزائر، قائلا: "لقد وضعناهم (الأقدام السوداء والحركى) في أحياء شعبية وطلبنا منهم أن يصمتوا ولا يتحدثوا عن ظروفهم الاجتماعية والمعيشية ولا عن ذكرياتهم، لذا أنا هنا لأقول لهم إن تاريخهم هو جزء من تاريخ بلادنا وعلينا احترام ذاكرتهم"، مشيرا إلى أن هؤلاء كانوا ضحية نهاية حقبة من الاستعمار، وأن فرنسا لم تكن الدولة الوحيدة التي انفصلت عن مستعمراتها.

وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 4 ملايين ناخب ممن يوصفون بـ"فرنسيي الجزائر"، 800 ألف شخص من بينهم ينتمون إلى فئة "الحركى"، حسب برنار كول، رئيس جمعية شباب الأقدام السوداء، وهو ما يعادل حوالي 8 بالمائة من مجموع الناخبين الفرنسيين، ما يفسر مغازلة الرئيس الفرنسي لهذه الفئة عند اقتراب كل موعد انتخابي.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/124130.html